اللغة والإملاء

اللغة والإملاء


كتبها : فيصل الملوحي



· رائع ما قامت به لجنة تقويم الإملاء في وزارة التربية(الكويتيّة)حين قامت بإحصاء الأخطاء الإملائيّة الشّائعة.فقد تأكّدت لي– وأنا أشارك في أعمالها – خطورة الانتشار الفاحش لهذه الأخطاء ،وكنت أرجو أن تدوم أعمالنا حتّى نتوصّل إلى العلاج النّاجع.ولكنّ الأخطر من ذلك ما أشار إليه الأستاذ عبد الله لقمان وكيل وزارة التّربية المساعد- منذ فترة– من انتشار لغة سمّاها (نصف الفصحى) وأعلن رفضه الصّريح لها .
· تتعالى صيحـات الإنكار إن كتب الطالب كلمة( الرحمن ) بالألف=الرحمان . ولا يختلف في هذا اثنان مطّّلعان على شيء من قواعـد الإملاء . ونجد الإنكار ذاته – مع أعداد أقــل ّ– على كاتب كلمة ( اقرأ ) مع إضافة همزة = إقرأ.ولكن هل سمعنا إنكاراً لقطعها في" النّطق"في مثل قولنا : " أيّها الطّالب( إقرأ )"دون توقّف على كلمة " الطّالب " !؟لن نجد شيئاً من هذا .. وسنرى هذا الخطأ مألوفاً للأسماع ... حتى في آذان المعلّمين !!
· بين اللغة والإملاء صلة واختلاف.. فالأولى ألفـاظ تقوم على أصوات إنسانيــة تعبّر عن معان ، والثاني حفـظٌ للغة ، ولكنه لن يبلغ الكمال مهما حاولنا . وكل دارس للغـة يعرف أنـها بدأت دون تنقيط ، وبعد التنقيط أضافوا الشكل . والمتعلم يعود إلى معلمــه دائما ليعرف لفظ كلمة ، وإنْ تعلّم قواعــد الإملاء وتعمّق فيها . وانظر إلى قلب النون الساكنة ميما إذا سبقت الباء ( من بعد ) – وأرجو أن يُعلم أن هذا القلب لا يخصّ القرآن وحده - .
· كُتـب القرآن الكريم في المصحف العثمانيّ بقواعـد إملائية لمراعاة وجود تباين في قراءة بعض الكلمات على الأحـرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم ( وربما القراءات السبع أو العشر – المهمّ أنّ التّدقيق في تحديد معاني هذه المصطلحات ليس مجال بحثنا ) ، وكتبنا ماعداه بقواعد إملائية تأصّلت فينا ، وصارت جزءاً مكينـاً مـن تراثنا ، وما يحقّ لنا أنْ نغير أو نبدل إلا إذا كان لذلك موجب قوي واضح....فقد نُقرّ أن نكتب كلمة (مائة ) دون أَلِف = مئة ، وحجـة أصحاب هذا الرأي : أن الألف كتبت قبـل التنقيـط كي لا تختلط قراءتها بكلمة ( منه ) ، ولكن مالا نقبله أن تُلفظ هذه الألف فنُغير في اللغة .
· نعم ! الأخطاء الإملائية قاتلة تتصل بحياة الطالب كلها إذا بدأ بها منذ صغـره ، ولم نحاول إصلاحها مع أول كلمة ينطق بها ، ولسوف تلحق به إلى ما بعد تخرجه في الجامعة .. وليس عجيباً أن نرى أطباء ومهندسين _ بل ومدرسين – يعانون من هذه المشكلة . ولكن الذي لا نفطن له أمر أخطر ، ألا وهو التساهل في اللغة، حتى وصلنا إلى لغة وسط ، لا هي بالفصيحة ولا هي بالدارجة .
· نحن نبحث عن فصحى أصيلـة يُربّى عليها الأبناء منذ نعومة أظفارهم – واعذروني في قولي : نبحث ، فالعربيـة حيّة خالدة ، وإنما أريد أن تنتشر بين فئات المجتمـع المثقف وغير المثقف – ولا يجوز أن يقتصر هذا على بعض الروضات التي تُعنى بها كلية التربية.. وإنما الواجب أن تسود الفصيحـة كل الروضات والمدارس .. لقد أثبت الأطفال قدرتهم على فهمها رغم أنهم لا يسمعونها سليمة إلا قليلا .. وهم قادرون بعد فترة من الألفة على النطق بها .. اِعتمدوا السليقـة – السليقـة أولاً وأخيرا ..-وبين " أولاً وأخيرا "تؤدّي قواعد الّلغة عملها في مساعدة الطالب على التدريـب .. حتى إذا أتقن اللغة لم يحتج بعدها إلى القواعد إلا إذا اختلفنا في شيء ، أو التبس علينا أمر .. مثل ذلك مثل الشاعر المفطور على الشعر الموزون المقفى سواء عرف بحور الشعر وشروط القافية أم لم يعرف..وما بحور الشعر في البداية سوى تدريب،وما هي في الختام إلا حَكَم بين من يختلفون على حالة في الوزن أو القافية ..
· فما بال المعلمين يجنحون إلى الدارجة في تعليمهم – مع حرص فريق منهم على تعليم قواعد اللغـة النظرية ، وانصراف كثير منهم عن التدريب على إتقانها فعلا وقولا.. – يدّعون أنها أقرب إلى فهم الطالب ! وماذا تفعل بمعلمين اختلفت لهجاتهم ، وتفاوتت قدراتهم اللغويـة ؟ كيف يستطيع الطالب أن يتعامل مع هذه الأشتات من اللهجات ، ولا يستطيع أن يتقن لغته الأم – لغة القرآن الكريم - ؟!
· والأنكى أن يُضحّى باللغة في سبيل الإملاء..متناسين أن الإملاء خادمٌ للغة ، وما كانت اللغة أبداً في خدمة الإملاء ..لا تعجبوا ، فما في ذلك خيال ولاتجَـنٍّ بالباطـل ، حاولوا أن تستمعوا إلى معلم يملي على الطلبة قطعة إملاء ، فماذا ستسمعـون ، إنه يطوّل غالباً حرف المدّ أكثر من حركتين _ قد تصل إلى أربع حركات وربما أكثر – ليتمكّــن الطالب من فهمها ثم كتابتها . إني أتساءل في نفسي ، وأقول : هل علّمنا هذا الطالب حرف المدّ تعليما صحيحا إذا لم يتمكن من التمييز بين الحركة القصيرة وامتدادها الحركة الطويلـة ، بين :الفتحة والألف ، والضمة والواو الممدودة ، والكسرة والياء الممدودة ، هل يعرف كتابة الحرف ساكناً ولا يعرفه متحرّكا ، فتضطرون - كما تقولون – إلى تسكين أواخر الكلمات في الإملاء – في غير أماكن التوقّف الجائزة - ، رافعين شعار " سكّن تسلم " ، فهل السّلامة – هنا – للطّالب أم للمعلّم ؟!
· لقد سمعت بأذني في ديار الغرب لهجات عاميّة يستعملونها في الشّوارع والأزقّة .. ولكن المعلم هناك يخجل أن ينطق في الصف ّبغير بغير فصحاه .. لا تظنوا الأمر مقصورا على معلمي اللغة ، وإنما يمتدّ ليشمل كل معلم لكل مادّة درسية .لماذا نسمع معلم الرياضيات عندنا يقول : إنما أشرح الرياضيـات بما أستطيـع ، وليس من واجبي أن أبحث عن علامات الإعراب ، متناسيا أن معلم العربية يعلم العربية لغةً للحياة ، لغةً يمارسها العربي في كل موقع .. ولكنه لا يعلم اللغة وحدها ، وإنما يضـم إليها ثقافة عامة شاملة ، وارتفاعاً بذوق الطالب الفني الأدبي .
· هل أرى في حياتي معلمين للعربية ارتقَوْا بها وأتقنوها في دروسهم ، وهل يتمكـن معلمو الموادّ الأخرى – باستثناء اللغات الأجنبيّة - أن يقدموا دروسهم بالفصيحة الميسرة ؟ ليس ذلك على الله بعزيز .. إنْ صارت العربية مقدسة بقداسة كلام الله الناطق بها !.

شكرا

مشكورين

شكرا